fbpx
Connect with us

Hi, what are you looking for?

مقالات رأى

د.رضا عبد السلام يكتب: وجهة نظر فى محو أمية البصر

بقلم: أ.د رضا عبد السلام

مؤسس فكرة إنشاء الفن والتصميم بالجامعة البريطانية المصرية بالشروق.

وجهة نظر فى محو أمية البصر الصديق الشاعر سعدني السلاموني يتطرق إلى إشكالية مجتمعية غاية فى الأهمية، تتعلق بأدراك ماهية الجمال من عدمه. ألا وهى (الأمية البصرية) .. وضرورة العمل على التصدي لها، وإعادتها إلى كل فرد فى المجتمع ، ريثما يستعيد كامل حواسه ووعيه وعافيته البصرية المفقودة وشخصيته المتكاملة المتوازنة ليكون قادراً على إدراك إنسانيته وقيم الحق والخير والجمال فى داخله وخارجه، بل وقادراً أيضاً على الشوف لمسافات وأبعاد تتجاوز حدود النظرإلى مافوق أو ما وراء الطبيعى والواقعى .. ليكتمل بذلك الكيان الإنساني على نحو مثالي وفاعل وخلاق .. فيستطيع القراءة والكتابة والتفكير والتعبير والتفلسف بصورة جيدة ومغايرة لما اعتاد عليه فى حياته اليومية .

ماذا تعنى الأمية البصرية؟ ماهو السبيل إلى محو الأمية البصرية؟ 

وما الفائدة المرجوة من محوها ؟ .. وكيف يمكن إدراك الصورة الجمالية وروافدها ومحتوياتها، وأثرهاعلى الوعي الجمعي جملة وتفصيلا..؟ الأمية فى مفهومها الاجتماعي، تعنى الجهل بالقراءة والكتابة. أى الفرد الذى لم يلقى تعليما مبكراً منذ الصغر، لقراءة الأرقام وجمعها وطرحها وضربها وقسمتها .. وأيضا القراءة ، لتهچي الحروف والكتابة بها كلغة تواصل وتفاهم مع الوسط المحيط . وتلك مشكلة يترتب عليها شعور الفرد الأمي بالنقص والدونية وعدم الثقة ، تحول دون تواصله مع محيطه الثقافى والعملي بطريقة تفاعلية بناءة .. الأمر الذى يشعره عادة بالخجل وأحيانا بالغربة.

قد يكون من بين الأميين عصاميون استثنائيون لذلك تحرص الدولة على مبدأ إتاحة تكافؤ الفرص فى التعليم المجاني لجميع أفراد الشعب، بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي وإنتهاءً بالمرحلة الجامعية. وهذا حق مشروع يكفله الدستور لكافة المواطنين حتى ممن لم يحصلوا على حصصهم المستحقة من التعليم، سواء كانوا شبابا أو كبارا من الإناث والذكور.

توفر لهم الدولة فصول محو الأمية من خلال المدارس والجمعيات والمؤسسات الخيرية غير الهادفة للربح. أما فيما يخص الأمية البصرية .. فهذا شأن آخر، أياً كان التحصيل العلمي، والمستوى الاجتماعي والثقافي والمادي. إذ من المفارقة أن تحصل على مستوى تعليم جيد ، أو شهادة جامعية ، أو أن تكون متيسر الحال ، ومع ذلك تجهل الكثير عن عالم الجمال المحيط بك أو الكامن بداخل أفئدة الناس والطبيعة والكون. وربما تكون فقيراً وأميا ولم تحصل على تعليم كاف، ومع هذا يكمن فى داخلك الإحساس بالجمال كضرورة من ضرورات الحياة الآدمية.

بل وقد تحمل فى داخل جيناتك فنانا بالفطرة ، ومن ثم تجد نفسك ميالا للرسم والتلوين والتشكيل والكتابة وعزف الموسيقى ، وقد يدفعك شغفك بالفن لتهيئة أجواء مريحة ومتوائمة مع محيطك الاجتماعي بصورة فعالة وهكذا. وهو مانلحظه بعيوننا فى الأحياء الفقيرة من مدن البرازيل والأرجنتين وبورتوريكو والمكسيك وغيره من دول لاتين أمريكا وأفريقيا ومدينة أسوان من صعيد مصر وأيضا فى العديد من الاعمال الجدارية ورسوم فن الشارع “الجرافيتى”، المنتشرة فى أنحاء مختلفة من دول العالم خاصة أوربا وأمريكا.. وهى عادة ذات طابع احتجاجي رافض لسياسات الأنظمة القمعية والديكتاتورية الحاكمة ، التى تغفل حقوق الإنسان من حريات وعدالة اجتماعية وتعليم وصحة .. إلخ.

إلى جانب البصريات السردية المفعمة بطاقة التعبير اللونى والجمالي والدلالي .. هناك أعمال أخرى موازية فى أهميتها وقيمتها الفنية ، ونفذت فى مدن عدة بغرض التزيين والتجميل والدعاية على واجهات الأبنية القديمة والمحال ومحطات مترو الأنفاق وغيرها. على أساس من أن للفن دور اجتماعي، تثقيفي وتوجيهي ، وتحريضي، تصل رسائله مباشرة إلى المتلقين له، محدثا بينهم تفاعلات واستجابات متفاوتة. فضلا عن حالة الألفة والبهجة البصرية الجميلة التى تتمثل فى مواضيعه وتصاميمه وتقنياته وأساليبه المتنوعة.

ومع كثرة وانتشارهذا اللون من الفن الجماهيري، أصبح بديلا موازيا لفن قاعات العرض والمتاحف .. فهو متاح للبصر أينما ذهبت وتوقفت ، من دون دعوة أو تذكرة دخول الطفل يولد ولديه ميل فطري للفن والجمال من المدهش أن الطفل يولد سليما ومعافا في الحالة العادية .. وله قدرة على الإدراك الغريزي لمتطلباته الفسيولوجية الآخذة فى التنامي المستمر، منذ اللحظة الأولى للرضاعة وحتى بعد فطامه. فهو يمكنه غرائزيا شم رائحة الأم وتمييز نبرة صوتها والنوم بعمق بين راحة يديها وصدرها، ويصرخ ويبتسم من أجل هدهدته وراحته طبقا لنزوعه الفطري الطبيعي،  فهو لديه إدراك سليم مكتمل النمو تستجيب له حواسه الخمس ” السمع، البصر، الشم، اللمس، التذوق” ، وكلما كبر ونضج واشتد عوده، صار قادرا على السير والحركة واللعب والتمييز بين الأشياء التى يتعامل معها ، ويتسع إدراكه وفهمه للأشياء المهمة الجميلة والمفيدة، كلما أكمل مراحل تعليمه الدراسية الضرورية، واكتسب مزيداً من المهارات المؤهلة لشخصيته وتميزه عن الآخر .. تلك الفروق الفردية تجعل من اليسير ملاحظة الاستعداد الشخصي للفرد نحو الأنشطة . وهو ما يتضح جليا خلال المراحل العمرية المبكرة وسنوات المراهقة حيثما كان يحظى الطفل باهتمام الأب والأم ، وابتياع الألعاب المسلية الترفيهية بألوانها وجمال تصاميمها ووظائفها المتعددة التى تثير مخيلته وفضوله وبواعثه الفنية والجمالية الكامنة التى تكشف عن ولع خاص بالشيء المحبب إلى النفس.

قد لايدرك الطفل فى تلك المرحلة العمرية البريئة، ماهية استعداداته الجوانية، وإنما يتملكه حافز لاإرادي على ممارسة تلك اللعبة التى تصدر نغمات موسيقية ، أو اللوحة الفسيفسائية المصورة لمشهد جميل، المعروفة ب(البازل) التى تستوجب إعادة ترتيب قطعها الصغيرة جنبا إلى جنب بتؤدة حتى تكتمل الصورة مثلما كانت من قبل. وكذلك ألعاب (الميكانو) المذهلة التى تكشف عن قدرات ومهارات إبتكارية وإبداعية ملحوظة. هذا إلى جانب مئات الألعاب المُصّنعة للأطفال بذكاء وتقنية عالية الجودة وبأسعار متفاوتة من أجل شغل وقته وإسعاده وإثارة حواسه وإتساع دائرة مخيلته نحو الخلق والابتكار.

فضلا عن حصة الرسم بالألوان والتشكيل بالصلصال الملون اللذين يستحوذان على قدر كبير من الوقت والتفكير لخلق أشكال ونزهات وطرفات خيالية ذات طابع فطري انتقائي رمزى، ومهارات عالية من التعابير والتكوينات الخاصة بهم. وهذا يعنى أن الطفل أى طفل فى أى منطقة من العالم لديه ميول واستعدادات ومواهب يمكن تنميتها وصقلها بالممارسة والتعليم والتشجيع والتقدير.

لذا فالأمية البصرية لم تكن موجودة بصورة تامة فى هذه المرحلة العمرية من الطفولة، طالما كان اهتماما بحصص الفن وممارسته كنشاط ضرورى لتنمية الاستعدادات وفى ذات الوقت التعريف بأهميته التاريخية التى قامت عليها أمجاد الحضارات الكبرى فيما مضى ، وحتى هذه اللحظة. وأصبحت عنوانا للاعتزاز والفخار .. ليس بالفن وحده تمحى الأمية البصرية إلى جانب الفنون التشكيلية أو البصرية التى نعول عليها أملا كبيرا فى الكشف المبكرعن الموهوبين من الأطفال والشباب خلال المراحل الدراسية المختلفة التى تستمر لمدة 17 عاما من الدراسة المتواصلة (ابتدائى،إعدادي، متوسط، جامعي. .).

وأعني بالجامعي .. الكليات الفنية المعنية بدراسة العلوم الإنسانية، كالتربية الفنية والفنون التطبيقية والفنون الجميلة والموسيقى والباليه والغناء والدراما السينمائية والمسرحية والتليفزيونية وغيره.  تلك المؤسسات التعليمية والأكاديميات الفنية التى يتخرج بها مئات الطلاب سنويا، للعمل فى القطاعات والمؤسسات الثقافية والفنية والمصانع والمدارس لتلبية إحتياجات سوق العمل والنهوض بمستويات المنتج الثقافي والفني لم تكن كافية لتقليص مساحة الأمية البصرية فى المجتمع المدني،

ذلك لأن الفن ليس من شأنه وحده تغيير السلوكيات والتصرفات العدائية المتهورة، غير المسئولة. وإنما التعليم الجيد والقراءة والإطلاع على المعارف والتربية القويمة، ومزاولة الأنشطة الرياضية المفيدة فسيولوجيا ونفسيا للبدن والعقل والروح . . والأهم ‘البيئة النظيفة’ التى توفر مناخ صحى وإستقرار نفسى.

ومع ذلك. تبقى الدعوة إلى محو الأمية البصرية مطلبا حيويا وليس مثاليا، ضروريا وليس اختياريا .. حاضراً ومستقبلا ، وليس ماضيا تاريخياً وأثراً سياحياً قط .. متى تصبح العين شوافة للجمال، ويصبح الفن أسلوب حياة ؟ .. منذ عدة قرون سحيقة ، كان الرسم والنحت والمشغولات الفنية تستخدم من أجل أغراض سحرية لمواجهة الحيوانات الضارية والتغلب عليها، وتجنب تقلبات الحياة القاسية فضلا عن الزخارف الهندسية التى ينقشها على الأوانى الفخارية والأقنعة وواجهات بيوته الطينية، والرسم على الجسد وغيره.. والآن صارت أثراً تاريخيا ومقصداً سياحياً. وكذلك كافة فنون الحضارات الكبرى فى مصر والعراق واليونان والرومان وفارس، ثم الهند والصين والمكسيك وغيرها. تركت لنا شواهد صرحية وسرديات بصرية رائعة تدلل على عظمتها ومجدها وخلودها .. كان للعقيدة السماوية وتعدد الآلهة.. دور مؤثر.

وللعلم والعمل والإنتاج والابتكار.. دور . وللقوة الإقتصادية والعسكرية وشهوة التوسعات الجيوسياسية وزيادة حجم النفوذ والهيمنة دور ، لإرادة المقاومة والتحرر من الغزاة المستعمرين .. دور .. وهكذا كان للفن البصري بكل أنواعه دور تفاعلي مشارك ومؤثر وموثق لها على امتداد القرون المتعاقبة .. فمن منا من شاهد الآثار الفنية النادرة بمتاحف الدول الغازية فى أروبا وأمريكا يمكنه أن يقف للحظات عند صفحات التاريخ يستدعي معه أحداثه المتواترة وأسباب صعودها وهبوطها، ارتقاءها وانتكاسها، ومن منا ينكر فظائع وأهوال العثمانيين واحتلالهم لمصر عدة قرون ، ونهبهم لتراثها الحي النادر ليودع فى قصور وبيوت أثريائها من أمراء الحرب..!! والحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت بكل ما حملت من تداعيات سلبية وإيجابية لا يمكن إنكارها.  وغيره كثير من الأحداث الجسام التى وثق لها الفن بكل أدواته ووسائطه المعبرة الجميلة بصورة لافتة للعين والعقل معا.

إذن يصبح من الضرورى أن يكون لتاريخ الفن حصة ملزمة فى المقررات الدراسية بالمدارس والمعاهد والكليات ، ووسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، الحكومي والخاص والتي تقلصت فيها تماما مساحة المادة التحريرية عن أشكال الفن الحديث من متابعات للمعارض والفعاليات الفنية المحلية والدولية، وكذلك المقالات والدراسات النقدية التي تسهم فى توعية العامة وتذوقهم لكل صنوف الإبداع البصري ومقاصده الفكرية والجمالية.

بل وأكثر من هذا، عدم اهتمام الدولة بإنشاء مزيد من المتاحف النوعية القومية فى محافظات مصر من أجل تحقيق العدالة البصرية ، والارتقاء بالذوق العام الذى يؤكد على أهمية إدارة الثقافة البصرية وتنميتها بشكل مستدام لتصبح بمرور الوقت أسلوبا حياتيا ًمعتادا، ونمطا إبداعيا خلاقا فى دورة رأس المال الاقتصادية والتنمية البشرية وصناعة المستقبل فى مصر ليكون لها حضوراً قويا ًمتميزا أمام نظيرها من الدول الأجنبية ذات الكيانات الإقتصادية العملاقة التى تغرق الأسواق بمنتجاتها المبتكرة الجذابة على إختلاف أشكالها وتصاميمها وألوانها واستخداماتها .. وهو مايعني أن العين تبصر وتنجذب وتقتني الأجمل والأجود والأنفع .. إذن محو الأمية البصرية، ضرورة ملحة لعموم الناس، لاكتمال مساحة الرؤية العينية والفكرية والوجدانية ، وبعث الروح الكامنة التواقة الخلاقة، من غفوتها وتخلفها من أجل استشراف مستقبل نامى متنامى اقتصاديا وتكنولوجيا وفنيا وثقافيا وحضاريا.

 

Loading

محرر رؤيا
بقلم :

إقرأ ايضا

صحة

الكيتو دايت عبارة عن نظام غذائي يعتمد على الإكثار من الدهون، وأخذ معدل متوسط من البروتين، وتقليل معدل الكربوهيدرات التي يتم تناولها قدر الإمكان...

فنون وثقافة

في عام 2001 عُرض فيلم “هاري بوتر وحجر الفلاسفة” (Harry Potter and the Philosopher’s Stone) أول أجزاء سلسلة الأفلام التي حققت، على مدار الأعوام...

إقرأ

قصة الحضارة.. من أين بدأت؟ وكيف تنتهي؟ وهل يجب أن تنتهي؟ أسئلة شغلت عقل ويل ديورانت، فشغل بها العالم في كتابه الموسوعي، مازجاً بين...

إقرأ

القراءة هي واحدة من أعظم ملذات الحياة، يمكن أن يكون الضياع في كتاب جيد طريقة رائعة لقضاء فترة ما بعد الظهيرة الهادئة، أو إبقاء...