لكلّ آلةً موسيقيّةٍ مميزاتُها و نغماتُها، و كذلك لكلّ امرأةٍ طَابَعُها و عالمُها و سحرُها، و كما لا يوجدُ الموسيقارُ الذي يُجيدُ العزْفَ على الآلاتِ كلّها، كذلك لا يوجدُ مَن يمتلكقلبَ النساءِ جميعا، فمن النساءِ مَن تُشبه (النّايَ)؛ فَهي نَحيلةُ القوامِ ، مُتأججةُ العواطفِ، كأنّما صِيغتْ مِن أوْراقِ الزّهرِ ، خَياليةٌ مُسْرفةُ الخيالِ، إنّها تَتُوقُ إلى الموسيقيّ البارعِ، الذي يَنْفثُ، فيها الحياةَ؛ لتستجيبَ له، وتُسمعه أعذبَ ألحانِها، ومنهن المرأةُ (البيانو)؛ تلك المُرفّهةُ التي تَتصدّرُ الصالوناتِ، و لا تَنْتقلُ مِن مكانها إلّا بِحسابٍ، وهي لا تَذْهبُ إليك، و لا تَبْحثُ عنك، و لكنّها تَحْملك على السعي إليها، والجلوسِ بيْنَ يَديْها؛ لِتستمعَ إلى عَذْبِ حديثها، إنّها ليستْ فائقةُ الجمالِ، و لكنها واسعةُ، النفوذِ في عَالَمها، و يكفيها فخراً أنّها أوصلتْ الكثيرينَ مِن عُشّاقِها إلى مَرْتبةِ الخلودِ، ومِن النساءِ مَنْ تُشبه (القربة الموسيقية)التي لا تُخرجُ أنغامها إلّا إذا امتلأتْ بالهواء.
فإذا خلتْ مِنه انكمشتْ و تَضاءلتْ ، إنّها امرأةٌ مَغْرورةٌ بِجمالها ، يَقْتاتُ قلبُها مِن المديحِ، والإطراءِ، ولو كان نِفاقاً مَكشوفا، و هناك المرأةُ التي تُشْبه (الكمنجة) .. المرأةُ المُرْهفةُ الشّعورِ ، الرّقيقةُ المِزاجِ، التي تُشْبهُ الدْمْيةَ الغَاليةَ ، إنّك لا تستطيعُ أنْ تَسْمعَ سِحْرَ ألحانِها إلّا إذا حَملْتها على ساعِدك بِرفقٍ ، و أحْنيْتَ لها رأسَك في مَودّةٍ، ولمستَ أوْتارَ قلبها بحنانٍ ؛ لِتُرسلَ مُوسيقاها الخَافتةَ ، المُفْعمةَ بالحنانِ و الحبّ و التنهداتِ.
و أصْعبُ النساءِ مِراساً ، و أَكثرُهن تعقيداً ، هي التي تُشبه(القانون) و لكن مِن مُميزاتها أنّها مُتعدّدةُ الألوانِ و الآفاقِ : تارةً تُناجيك بِلغةِ الشعراءِ ، و طَوْراً تتحدّثُ بِلسانِ (بنات البلد) و تارةً تكونُ (قانون) جاذبيةٍ وإغراء ، وفي أحايين أخرى تستحيلُ إلى (قانون) عقوبات! ومنهن المرأةُ(الجيتار) ، إنها لا تُطيقُ الكلامَ طويلاً ؛ بلْ تكتفي بعِباراتٍ مُقتضبةٍ، تُودِعها كلّ ما في قلبها مِن عاطفةٍ ، فَيشعرالمستمعُ إليها بما تنطوي عليه مِن غموضٍ ساحرٍ. و منهن مَن تُشبه (العود) فهي تحتاجُ – دائماً – إلى مَن يَحنو عليها ، ويُعاملها بلطفٍ، حتى تُناجيه ، إنّها مِثالٌ لذاك المحبوبِ النّاعمِ ، الذي زَعَمَ الشاعرُ أنّ خَطَراتِ النّسيمِ، تَجْرحُ خَدّيه ، و مَسّ الحريرِ يُدْمي بَنانَه .. و الوَيْلُ لِمَن لا يُقيمُ لعواطفها وَزْناً،إنّ نَجْواها الموسيقيةَ الساحرةَ سُرعانَ ما تُصبحُ طَنيناً يَصْدَعُ الرؤوسَ.