fbpx
Connect with us

Hi, what are you looking for?

عين ثالثة

زكريا صبح يقرأ بعين ثالثة “سلالم بنروز”

كتب الناقد المصري والأديب الكبير زكريا صبح قراءة أدبية نقدية حول المجموعة القصصية سلالم بنروز للكاتب الشاب محمد سمير رجب، أبحر من خلالها في أعماق العمل لاستخراج درره الفنية وبيان قيمته الإبداعية وفك رمزياته من ناحية وتقويمه أدبيا وفنيا من ناحية أخرى، يُعرف الناقد زكريا صبح في الأوساط الأدبية بقوة قلمه وشدة نقده، غير أنه لا يقسو على عمل الكاتب حد اليأس بل يضع خلاصة نقده الأدبي وبيان فكره في قلب العمل بما له وما عليه ليقف العمل في النهاية على بر نقدي بناء يُثقل تجربة الكاتب ويقوم العمل الأدبي.

كيف قرأ صبح العمل؟

كل فن بلا ألم لا يُعول عليه، هذا ما وقر فى رأسى بعد ان انتهيت من القراءة ربما كانت مقدمة تشى بالانطباعية ولا تؤشر لقراءة نقدية منهجية ، ولكن عندما تنز القصص الما و تشير من طرف خفى الى اجواء معركة كانت ملتهبة الصراع بين رجل وذاته تارة ورجل و امرأة بعيدة المنال تارة اخرى ، عندما تشتم رائحة احتراق قلب زرع فى جنباته حدائق مزهرة وراح يدعو انثاه اليها كى تستظل فيها بظلالها ممتنة لصاحب الحديقة فاذا الحديقة تحترق واذا الدخان يتصاعد واذا رائحته تنتشر ، اقول عندما يحدث ذلك اثر قراتك لقصة واحدة فاننا لابد ان نضرب بالمنهجية عرض الحائط فما بالك ونحن نتحدث عن مجموعة قوامها سبع عشرة قصة ، اذن فليس منطقيا ان اتحدث عن الرواى ان كان غائبا او مشاركا ، متحدثا بضمير الهو او بضمير الانا بعدما لمست عذاباته وسمعت انين قلبه وشممت رائحة احتراق جسده ، لم يعد يعنينى الرواى من يكون بعدما شعرت اننى ربما كنت البطل فى معظم القصص.

سلالم بنروز (كتاب إلكتروني) - محمد سمير رجب | أبجد
وليس منطقيا ان نتحدث عن الزمن فى القصص ، هل حدثت فى الماضى ام ستحدث غدا بعدما حرص الكاتب على استخدامه الافعال المضارعة فى جل قصصه ليوهمنا بأن المأساة لم تزل احداثها جارية وساخنة، وليس منطقيا ايضا ان نتحدث عن الشخوص فى القصص ولا سماتها الجسدية او مواصفاتها الشكلية بعدما اكتشفنا براعة الكاتب فى تجسيد الافكار والمشاعر و المواقف الفلسفية فى قالب قصصى تتحول فيه الافكار الى احداث ، لقد كان ينسج قصصه من عصارة المه فيحيل المعنى الذى يقصده الى وقائع رمزية ليست مقصودة لذاتها وانما المقصود هو المعنى المختبئ ورائها ولذا ليس غريبا ان نقرأ النص مرة بعد مرة كى نفك شفرته ونؤل معناه ونعيد بنائه.

بدءًا من الاهداء نلج الى العالم القصصى لمحمد سمير رجب حيث يقول ( الى من ينهشهم الخوف والالم والمرض النفسى فى كل مكان وزمان ، ثمة من يشعر بكم ويعرف عنكم كل شيء ) وبناء على هذا الاهداء الذى يعد مقدمة اولى نتأهل نفسيا للقراءة.
وبعد ان ننتهى سنتأكد انه لم يغرر بنا ولم يراوغنا بل كان صادقا حتى لكأنه تقمص شخصية واحدة تعانى حزمة من الامراض النفسية وراح يصرخ فينا كى ننتبه لهذا المريض ، فلم ننتبه فقط بل تألمنا له ايضا واظن ان هذا ما يسعى اليه كل كاتب _ ان تتألم لابطاله _
فنحن امام رجل فى متاهة كبيرة اثر ان يدخلنا اياها ، رجل يمشى فى متاهته من اجل الوصول لنكتشف انه تائه ولا يعرف( معنى الوصول ، ) وربما كان من المناسب ان اقول ان الكلمة الاخيرة التى ختم بها الكاتب مجموعته التى كانت بمثابة متاهة كبيرة ، اقول الكلمة الاخيرة التى ختم بها الكاتب مجموعته هى السؤال الذى يتردد داخلنا ليل نهار ( ما الوصول )
هذا الرجل مازال يمشى ، يمشى بلا هدف اللهم الا اذا اعتبرنا ان المشى هدف فى ذاته
هذا رجل برأس ملعونة اختلطت فيها كل الامور لذا ليس غريبا ان يجعل من نفسه لعبة ليحكى قصتها ، وهو اذ يحكى قصتها لم يكن يحكى الا قصته ، وكيف ان الانسان ربما كان مثل دمية فى يد من يحب جاعلا من نفسه مصدرا لبهجته وفرحه ، مطيعا له ، مرنا ، لينا ‘ هينا ، يفعل كل ذلك لانه يحب هذا الشخص _ رجلا كان او امرأة _ فاذا هذا الحبيب بدل ان يهتم به ويشكر له حسن صنيعه اذا به يطعنه طعنات فى اماكن متفرقة من جسده تماما كما يفعل الصغار بالدمى ،

 أى امرأة تلك التى اودت بحياة الرجل النفسية الى قعر بئر الجنون ؟!

سؤال كان يقفز الى رأسى كلما انتهيت من قصة ولست ادرى لماذا كان يقفز سؤال كهذا رغم ان النصوص لا تشى به ولا تصرح بالقضية اصلا . وربما كان السؤال اكثر الحاحا عندما اكتشفت ان اغلب النصوص لا تقول صراحة ان ثمة امرأة ما ، لكن انفاس هذه المرأة لفحتنى كثيرا فبت فى المتاهة ذاتها ابحث عنها ، احاول ان ارسم لها صورة تليق بفعالها ، احاول ان اضع لها اسما يعبر عن تغلغلها فى قلب الرجل وسريانها فى اوردته ، احاول ان اتخيل لها قواما وهيئة واجعل لها عينين ولسانا وشفتين كى انظر فى عينيها واقرأ ما فيهما وانصت الى شفتيها وما تنطق بهما، أى امرأة تلك التى بثت الرعب فى قلب رجلها وحبيبها فراح يخبئها بين حروف الكلمات وبين كلمات الاسطر وبين اسطر الصفحات وبين صفحات الكتاب وبين كتب مكتبته الضخمة ، حجاب من ورائه حجاب ، كأنى بالرجل فى هذه القصص _ ونحن مثله فى كثير الاحوال _ كأنى به يخشى عواقب التصريح فذهب من فوره الى الرمز والا كيف نفسر ما يلى:

أولا 

من هى تلك المليحة التى حارب من اجلها الف فارس ملثم وخاض الحرب بشجاعة منقطعة النظير ثم لم يقتله الا هذا الحسن وتلك الملاحة، ورغم وطيس المعركة الحامى ( لم تتقدم نحوه خطوة ) لقد بدت متواطئة عندما ( ارادت له ميتة بطيئة يسبقها امل فى حياة وفى رغبة وفى رشفة حب ) كانت قد عقدت العزم الا تنيله اياها

ثانيا
من تكون تلك المرأة التى قرر البطل ان يضحى بنفسه كى يتخلص لها من وحش مرعب يلتهم الجميع ،
ولان الوحش فى متاهة ارضية بعيدة ، ولانه وثق فى حبيبته فقد امسك بطرف الخيط الذى امسكت هى بطرفه الاخر حتى يهتدى به اذا عاد منتصرا ، لكنها لم تكن الا كتلك التى قتلته ببطئ فى القصة السابقة وهى هنا خذلته اذ فرت هاربة مرتعبة تاركة اياه يواجه مصيره
من عساه يكون الوحش ؟
ياترى هذه المرأة الخائنة ؟
واين يكون هذا المكان الذى دارت فيه المعركة ؟
اسئلة منطقية يطرحها النص عبر هذه الرموز التى تطلب من القارئ تأويلها وفك شفرتها

ثالثا
من تراها هذه المرأة التى احبته وتماهت فى حبه ثم اكتشفت انها وقعت فى سوء فهم لطببعة العلاقة وانى وايم الله لشعرت لوهلة انها المرأة ذاتها التى خانته مرة وخذلته مرة فصنع لها قصة جعلها فيها ضعيفة وذليلة تستجدى حبه ثم صفعها صفعة منتقم بأن قال لها ( الاستعارات شيئ خطير ولا يمكننا ان نمزح مع الاستعارات )
وهنا لا بد ان نستحضر ونتخيل كيف كانت هذه الاستعارة ؟ كيف قالها لتفهم منها انه يحبها ؟
رغم اشفاقى عليها الا اننى سعدت من اجله ان نال منها جزاء ما قدمت يداها

هاهى المرأة تطل برأسها مرة اخرى لكنها فى صورة شمس أفلة ، هكذا اراد الكاتب ان يوقظ بطله الذى توهم ان امرأته شمس قد تضيئ له الحياة ، وانها قد تكون سببا لسعادته فاذا بها ليست الا شمسا افلة ، بغير ضياء ، من دون حرارة ، منزوعة الدفئ والاحتواء ، متجمدة المشاعر

رابعا
لم تغادرنى روح المرأة فى هذا النص الذى لم يأت على ذكرها من قريب او بعيد لكن الحالة التى وصل اليها الرجل فجعلته يمشى بغير هدى يضرب فى الصحراء الشاسعة ، يتوغل فى التيه بغير دليل ، يأكل الاسفلت نعل حذائه وتشوى حرارته جلد جسده حتى تساقط منه ، اقول ان هذه الحالة التى وصل اليها البطل لم تكن الا انه يؤمن ان ( الانسان ليس فى حاجة الى اكسجين ليحيا ، انه فى حاجة الى غاية وامل ) وما الغاية والامل الا امرأة يحبها الرجل فتصبح له طريقا يجد السعى فيه من اجلها ، فاذا ما غابت ظل سائرا بغير هدى

تكفينا هذه النماذج الدالة على حضور المرأة السلبى فى حياة رجل مرهف الحس ، يتلقى الصدمات واحدة تلو اخرى ، فلما راح يكتب قصته كتب قصة رجال كثر ، كانت احلامهم تنحصر فى امرأة خذلتهم فاصابهم مس من الجنون والاضطراب النفسى ،هذا الاضطراب الذى بدا واضحا فى جنبات النصوص جميعها، ولأن الكاتب يمتلك ادواته فقد جاءت نصوصه مكتنزة مكثفة نشتم فيها رائحة الثقافة العالية والفلسفة الخاصة والرؤية الواضحة، هذه وجبة قصصية ابداعية تستحق الاشادة.

Loading

محرر رؤيا
بقلم :

إقرأ ايضا

صحة

الكيتو دايت عبارة عن نظام غذائي يعتمد على الإكثار من الدهون، وأخذ معدل متوسط من البروتين، وتقليل معدل الكربوهيدرات التي يتم تناولها قدر الإمكان...

فنون وثقافة

في عام 2001 عُرض فيلم “هاري بوتر وحجر الفلاسفة” (Harry Potter and the Philosopher’s Stone) أول أجزاء سلسلة الأفلام التي حققت، على مدار الأعوام...

إقرأ

قصة الحضارة.. من أين بدأت؟ وكيف تنتهي؟ وهل يجب أن تنتهي؟ أسئلة شغلت عقل ويل ديورانت، فشغل بها العالم في كتابه الموسوعي، مازجاً بين...

إقرأ

القراءة هي واحدة من أعظم ملذات الحياة، يمكن أن يكون الضياع في كتاب جيد طريقة رائعة لقضاء فترة ما بعد الظهيرة الهادئة، أو إبقاء...